- كيف انتقلت الشبكة الكهربائية من المركزية إلى اللامركزية في التوليد؟
- كيف يساهم الذكاء الاصطناعي في خفض فاتورة مستهلك الكهرباء؟
- الطرق الرياضية وطرق تعلم الآلة لتفكيك وفهم الأحمال
- الشرائح الشمسية والاستهلاك الأمثل
كتابة: خالد الشهري (@khaled_energy، الموقع الشخصي)، أحمد الأحمد (@A7mad_Alahmad، الموقع الشخصي)
إنّ مما لاريبَ فيه أن الشبكةَ الكهربائية هي من أعظم وأعقد وأضخم الاختراعات البشرية، بل وكما قيل في القرن العشرين “إن الشبكة الكهربائية هي انتصار للهندسة بجميع تخصصاتها”.
وبفضل الحسابات الدقيقة والتقنيات المتطورة بشكل متسارع، أصبحَ مستخدم الكهرباء يثق بشكل كبير بجودة وموثوقية الشبكة في تبريد المنزل والأطعمة وفي شحن الأجهزة الإلكترونية والطهي والغسيل وغيرها. ولكن، وكما تقول جريتشن باك في كتابها “The Grid”:
“أننا ربما تسرعنا في بناء وتوسيع الشبكة الكهربائية بشكل جريء، وإذا لم نستطع تحويل هذه الشبكة إلى نظام أكثر ديناميكية فإننا سوف نندب أنفسنا على كومة الحديد هذه، الباهظة الثمن.”
وفي الحقيقة فإن محطات توليد الكهرباء وخطوط النقل بالذات هي من أضخم الاستثمارات التي تقوم بها الدول، فقد يتراوح سعر الكيلو الواحد من أبراج الكهرباء ذات قدرة 69 كيلوفولت إلى حوالي 3.5 مليون ريال للكيلومتر الواحد فقط. ولكن وفي الآونة الأخيرة، تشهد الشبكة الكهربائية تغيّرات نوعية في طريقة توليد الكهرباء وتوصيله والتي قد تتحول من كونها أحادية الاتجاه: أي أن الكهرباء تولّد في أماكن نائية ثم تُنقل إلى مراكز الأحمال عن طريق خطوط النقل التي قد تمتد إلى مئات الكيلومترات، إلى شبكة أكثر لامركزية حيث تولّد الكهرباء قريباً من الأحمال بل حتى أن المستهلك نفسه قد يكون مولداً كما سوف نذكر في هذا المقال. هذا وقد تؤول الشبكة الكهربائية إلى تغيرات أشمل كتغيير طرق تسعير الكهرباء مما قد يؤدي إلى تغيير أنماط المستهلك والتي قد تكون أذكى وأمثل بسبب الأجهزة والحساسات الذكية التي تطبّق مبادئ التعلّم الآلي والذكاء الاصطناعي.
في المقال السابق شرحنا ماهية الشبكات الذكية وكيفية نقل وتوزيع الكهرباء على المستخدمين بشكل مُسهب. وتحدثنا أيضاً عن أهمية طُرُق التحكم بالحمل وكيف أنها تُسهِم في خفض فاتورة المستهلك وبالتالي خفض الحمل العام للكهرباء، مما يؤدي إلى توفير مليارات الريالات.
وكما وعدنا في الجزء الأول، فإننا في هذا المقال سوف نتطرق إلى بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي سوف تساعد المستهلك وشركات الكهرباء على حدٍ سواء على الاستخدام والتوليد الأمثل لهذا المصدر الذي لا يمكن الاستغناء عنه والذي ارتفع سعر توليده بسبب الاستهلاك الزائد وغير المدروس.
الذكاء الاصطناعي والمنازل المزودة بأنظمة التوليد الضوئي
التغير الجذري الذي يحدثه المستهلكون في حال اقتنائهم لأنظمة التوليد الضوئي على سطوح المنازل، هو أن النموذج الاستثماري الذي تعودت عليه شركات توزيع الكهرباء لم يعد مجدياً. إذ أن مستخدم الكهرباء لم يعد مستهلكاً فقط، فهو قد يكون كذلك مولداً وبائعاً للكهرباء Prosumer
لعقودٍ طويلة كانت شركات التوزيع تتعامل مع مستهلكٍ غير مرن مع تغير الأسعار، فقد كان هذا المستهلك يواجه خيارين، إما أن يدفع الفاتورة كاملةً أو أن يعيش ليال تعيسة وبائسة بلا كهرباء! ولكن مع تقدم طرق التوليد بالطاقة المتجددة وانخفاض تكلفتها وانعدام التلوث الضوضائي والهوائي فيها، أصبح بإمكان الكثير من المستهلكين توليد جزء من، أو جل، احتياجاتهم محلياً وبالتالي فقد أصبح المستهلك أكثر مرونة مع تغير الأسعار.
لقد شهدت أسعار توليد الكهرباء عن طريق الشرائح الشمسية انخفاضات قياسية في الأسعار. فمشروع توليد الطاقة الشمسية في سكاكا مثلاً وصل سعر الطاقة المولدة فيه إلى حوالي ٧ هللات/كيلواط.ساعة. وعطفاً على ذلك، فإن خيار توليد الطاقة محلياً في أسطح أو أفنية منازل المستهلكين أصبح مجدياً مادياً ومساهماً في انخفاض الفاتورة النهائية للمستهلك. وهذا ما اختاره الكثير من المستهلكين الذين أتيحت لهم فرصة التوليد المحلي للكهرباء.
ولكن إدارة التوليد المحلي والأحمال هي إدارةٌ معقدة وتعتمد على عدة متغيرات، فمثلاً: التوليد عن طريق الشرائح الضوئية يعتمد على درجة الحرارة وكفاءة الشريحة وتواجد الضوء الساقط ودرجة ميلان الشرائح واتجاهها وكذلك فإن الأحمال هي أشد تغيراً فهي قد تتأثر بنمط المستهلك ونظام معيشته وأنواع الأجهزة المنزلية وكفاءتها وكذلك درجة الحرارة المحيطة، لذلك فإن الأنظمة الشمسية المتواجدة في البيوت قد لا تضمن لوحدها الانخفاض الأمثل للفاتورة مع ضمان الحفاظ على أريحية المستهلك، وهنا يأتي الذكاء الاصطناعي وعلم البيانات كوسيط بين ثلاث جهات:
- نظام التوليد الشمسي
- الحمل المنزلي
- الشركة الموزعة
فبناءً على موقع المنزل تقوم أجهزة التحكم الذكية بدراسة وتحليل بيانات الموقع وجغرافيّة الأسطح وبالتالي توقع الطاقة الناتجة عن النظام الضوئي (صورة ٢).
وعطفاً على كم البيانات الرهيبة التي تحصل عليها العدادات الذكية فإن أجهزة التحكم الذكية تقوم بتحليلٍ شامل ومُفصّل لأوقات الاستهلاك المنزلي وأنماطه وشدته ومدى ارتباطه بالعوامل الجوية كدرجة الحرارة أو العوامل الروتينية كأوقات تواجد المستهلك في المنزل أو العمل أو العوامل الثقافية كتغير الحمل المفاجئ في الأعياد والمناسبات وعطل نهاية الأسبوع. وعطفاً على الجهة الثالثة وهي الشركات الموزعة، فإن أجهزة التحكم الذكي تقوم بالتنسيق بين الطاقة الناتجة المتوقعة من النظام الضوئي والحمل المنزلي المحتمل، وبالتالي تقُرّر ما إذا كان من الأمثل للمستهلك أن يخزن الطاقة الفائضة أو أن يقوم ببيعها إلى الشركة الموزعة، أو حتى أن يرفع من استهلاكه ليستهلكها.
قد يكون هذا القرار ليس مستحيلاً في وقتنا الراهن عطفاً على أن تعرفة الطاقة من قبل الشركة الموزعة هي تعرفة ثابتة زمنياً ومكانياً، ولكن وكما هو متوقع في مفهوم الشبكات الذكية سوف تصبح هذه الأسعار أكثر ديناميكية وقد تتغير لحظياً مما يجعل مهمة الإدارة المثلى للنظام الضوئي والحمل المنزلي مهمةً مستحيلة بدون مساعدة أجهزة الذكاء الاصطناعي التي تتجاوب لحظياً للإشارات المرسَلة من قبل شركة الكهرباء واتخاذ القرار الأمثل بناءً على حزمة وكمٍ كبير من المعلومات والبيانات المتوفرة عن النظام الضوئي والحمل المنزلي وقابلية الحمل للإزاحة وشدة تأثر مستخدمي المنزل بهذه الإزاحة (صورة ٣). وتعكف حالياً الكثير من الشركات على تطوير هذه الأجهزة الذكية، كشركة هواوي الصينية وشركات جوجل وأمازون وتسلا الأمريكية.
ولتقريب هذا المفهوم بشكلٍ جلي نضرب مثالًا على حملٍ منزلي ونظام شمسي مفترضين من المملكة كما سوف نعتمد في هذا المثال على الأسعار الحالية للشركة السعودية للكهرباء. فكما يعلم المهتمون، أصدرت الشركة مؤخراً التعريفة المعمول بها للمنازل المزودة بأنظمة شمسية، وهي أن سعر استهلاك الكهرباء سيكون كما هو أي ١٨ هلله/ كيلواط.ساعة وسيٌعتمد فرض ٨ هللات/ كيلوواط.ساعة سعراً لبيع الفائض.
وبالتالي فإن المستهلك إذا استخدم الطاقة الناتجة من النظام الضوئي، فكأنه تفادى شراء نفس هذه الطاقة بسعر الشركة وهو ١٨ هللة/ كيلواط.ساعة. هذا في حال كون صافي الاستهلاك موجباً، أي أن حمل المستهلك أعلى من الطاقة الناتجة عن نظام توليده المنزلي. ولكن لو كان صافي الاستهلاك سالباً، أي أن المستهلك لديه فائض طاقة فهو أمام ثلاث خيارات (نقصد في هذه الحالة، المستهلك المثالي):
الخيار الأول: هو أن يبيع هذه الطاقة الفائضة بسعر ٨ هللات/ كيلوواط.ساعة
الخيار الثاني: هو أن يقوم بخزن هذه الطاقة الفائضة، إذا كان النظام مزوداً بالبطاريات
الخيار الثالث: هو أن يقوم برفع الاستخدام المنزلي للكهرباء لاستهلاك الفائض
مع العلم أن هذه الحالة برمتها وهذا الفرق قد يحدث لحظياً وربما في أجزاءٍ من الثانية وبالتالي فإن أجهزة التحكم والعدادات الذكية سوف تكون قادرة على إعطاء الأوامر التي تضمن خفض الفاتورة النهائية فورياً عن طريق حساب ما إذا كان بيع الطاقة للشركة مجدياً مادياً في تلك الساعة ووفق البيانات المتوفرة عن حمل المستهلك الحالي والمستقبلي، وإذا لم يكن مجدياً فسوف يُرسل هذا الفائض إلى البطاريات، إذا كانت متوفرة. أما إذا لم تتوفر البطاريات أو كانت البطاريات ممتلئة، فربما يقوم مركز التحكم الذكي بزيادة حمل المستهلك إذا ما رأى ذلك مجدياً، كرفع برودة التكييف المنزلي أو زيادة تبريد الثلاجة تحسّباً لاحتمالية خفضهما في وقت لاحق.
وبالطبع فإن الأجهزة الذكية مع مرور الوقت سوف تكون قادرة ليس على اتخاذ الاوامر فحسب، بل حتى توقع حدوث مثل هذه السيناريوهات مسبقاً، والقيام بحساب وتدقيق ردود الفعل والقرارات بناء على احتمالية الوقوع حسب المعطيات. وتأتي أهمية أجهزة التحكم الذكي والعدادات الذكية في أنها تمكن المستهلك من الاستفادة القصوى للنظام الشمسي وذلك عن طريق تقليل عدد السنوات المطلوبة لاستعادة رأس مال النظام.
ولحساب عدد السنوات المطلوبة لاستعادة رأس المال (جدوى النظام)، يمكن للمستهلك القيام بعمليه حسابية بسيطة تعتمد على عاملين أساسيين:
- كلفة النظام
- الادخار السنوي في الفاتورة بسبب النظام الشمسي
أما العامل الأول، وهو (كلفة النظام) فإنه كلفةٌ ثابتة لا تتأثر بتواجد أنظمة التحكم الذكي ولكن هذه الأنظمة تؤثر بشكل كبير على العامل الثاني وتساهم في زيادة الادخار، كما رأينا، وبالتالي تقليل السنوات المطلوبة لاستعادة رأس المال.
وأما العامل الثاني، فهو يعتمد على ثلاث متغيرات رئيسية:
- سعر شراء الطاقة من الشركة الموزعة
- سعر بيع الطاقة للشركة الموزعة في حال الفائض
- كمية الطاقة الناتجة عن النظام الشمسي
ولتطبيق هذين العاملين لدراسة جدوى النظام، نستخدم المعادلة التالية والتي توضح كيفية احتساب عدد السنوات المطلوبة لاستعادة رأس المال (س):
ويحتسب الادخار السنوي كالتالي:
الادخار السنوي =
سعر الشراء × (صافي الاستهلاك، إذا كان الحمل أعلى من التوليد) + سعر البيع × (صافي الاستهلاك، إذا كان التوليد أعلى من الحمل)
وبالتالي فإن الاستهلاك المباشر للطاقة المولدة محلياً هو أكثر فائدةً للمستهلك من بيع الطاقة للشركة الموزعة بسبب الفرق الكبير بين سعر الشراء والبيع. وكما نرى فإن هذه العملية قد تكون معقدّة بسبب عشوائية أنظمة التوليد والتغير اللحظي والحاد في الأحمال واختلاف الأسعار المعروضة من قبل الشركة الموزعة، وقد لا تتأتّى المنافع المرجوّة من النظام الشمسي إلا في حال مصاحبته للأجهزة المزودة بالذكاء الاصطناعي. الصورة ٣ في الأسفل تشرح بشكل مختصر ما أسلفنا ذكره في هذا التطبيق.
ولتحويل التطبيق السابق إلى واقع ملموس، يجب أن تكون أجهزة التحكم الذكي قادرة على توقّع ناتج الطاقة من الشرائح الشمسية وكذلك تفكيك الحمل المنزلي ومعرفة مقدار مساهمة كل جهاز منزلي (مكيف، تلفاز، فرن، ثلاجة …) في بناء الحمل المنزلي العام. وللقيام بتحليل الحمل المنزلي والتعرف على نسبة استهلاك كل جهاز، سوف نعرض طريقتين، أحدهما تقوم على مبادئ الذكاء الاصطناعي، والأخرى هي طريقة رياضية بحتة يمكن لأي مستهلك القيام بها لتفكيك الحمل المنزلي:
تفكيك الحمل المنزلي – رياضياً
المعادلة التالية تساعد المستهلك على معرفة نسبة استهلاك كل جهاز منزلي تقريبياً، وبالتالي إعطاؤه فهماً أعمق عن الأحمال التي تساهم في رفع الفاتورة:
حيث تمثل سج الاستهلاك اليومي للجهاز ج،
المتغير أ يرمز إلى القدرة التي يحتاجها الجهاز خلال النمطين التشغيليين الخامل (خ) والنشط (ن) (العمودان السادس والسابع في الجدول ١).
المتغير ب يرمز إلى نسب الساعات التي يعمل فيها الجهاز بشكل نشط أو خامل (العمودان التاسع والعاشر في الجدول ١).
المتغير ت يرمز إلى عدد ساعات تشغيل الجهاز.
فمثلاً لحساب كمية استهلاك أجهزة التكييف خلال اليوم، فإننا نستخدم المعادلة السابقة، وبالتالي:
حيث يرمز المتغير ع إلى عدد الأجهزة في المنزل.
جدول ١: جدول يوضح القدرة، ساعات الاستخدام، ونسب الخمول والنشاط في دورة التشغيل لبعض الأجهزة المنزلية. مصدر عدد ساعات الاستخدام وعدد الوحدات هو الهيئة العامة للإحصاء في المملكة العربية السعودية.وبتطبيق البيانات المذكورة في الجدول على المعادلات السابقة نستطيع أن نحصل على التقسيم التقريبي لنسب استهلاك الأجهزة المنزلية. مع العلم أن معظم هذه البيانات متوفرة للجميع وقد حصلنا عليها من الهيئة العامة للإحصاء في المملكة العربية السعودية. في الصورة ٤ أوجدنا نسب استهلاك الأجهزة المنزلية في وقت الصيف في المنطقة الشرقية، ونلاحظ سيطرة أجهزة التكييف على الحمل المنزلي ومساهمتها بحوالي ٦٢٪ من سعر الفاتورة. الجدير بالذكر أنه ومع العدادات الذكية، قد تكون شركة الكهرباء قادرة على اعتماد سعر معين لكل جهاز، وقد تختلف هذه الأسعار على مدار اليوم.
تفكيك الحمل المنزلي – الذكاء الاصطناعي
لكل جهاز كهربائي استخدام وإشارة محددة ولها طابع خاص بها، فلكل جهاز وآلة قدرٌ محددٌ من الاستهلاك، فالمكيفات تستهلك أكثر من التلفاز مثلاً، وشاحن الهاتف الجوال يستهلك كمية قليلة من الكهرباء، كما أن مضخات المياه في المسابح وإن كانت تبدو مغلقة تظل تستهلك الكهرباء وإن غفلنا عن ذلك، … إلخ.
ولتوقع وتحليل كميات الاستهلاك وأوقاته تستطيع الأجهزة والحساسات المزودة بقدرات تعلم الآلة machine learning استخدام أدوات التصنيف classification لمعرفة نوع الأجهزة التي تعمل في أوقات محددة وبذلك يمكننا تفكيك الحمل الكهربائي. وبعد تفكيك الحمل وتحليله، تُعاد جدولة الاستخدام لجعله متواكباً مع الأسعار المتغيرة كما ذكرنا سالفاً. فمثلاً: إن كانت غسالة الملابس تستهلك الكثير من الكهرباء مقارنة بباقي الأجهزة، فممكن حسبة هذه التكلفة على مدى شهر، ومقارنة التكلفة لسيناريو استخدامها نهاراً أو ليلاً، وبناءً عليها من الممكن ترشيد الاستهلاك بشكل أفضل. كما تطرقنا أيضاً في بداية المقال، فإنه من الممكن توقع الطاقة الشمسية (مثلًا: عن طريق الشبكات العصبية neural networks، ثم يمكننا دمج هذه التوقعات مع نتائج تحليل الاستهلاك، لكي يتم اتّخاذ قرارات (بشكل تلقائي) ذكية تحدث توازناً بين الاحتياج الاستهلاكي والنواحي الاقتصادية حسب معطيات سوق الكهرباء (أسعار ثابتة أو متغيرة، تكلفة استهلاك الطاقة الشمسية مقارنة ببيعها للشبكة، والكثير من الجوانب).
في هذا الجزء من المقال، سنسلط الضوء على استخدام تعلم الآلة في تفكيك الحمل، ولعله من المناسب أن نستوحي نقاشنا من الطرق المستخدمة والنتائج في هذا التقرير والتركيز على التعلم تحت الإشراف supervised learning وخوارزميات متعارف عليها، للوصول لأكبر شريحة ممكنة من القرّاء، مع التنويه أن ما نذكره ونناقشه في هذا المقال هو عبارة عن قشور، ويوجد مجال واسع وكبير جدًا لاستكشاف تطبيقات متنوعة عديدة واستخدام خوارزميات أكثر عمقًا.
البيانات
يوجد مصادر متعددة لبيانات استهلاك الكهرباء، وننصح بالرجوع لمكتبة بيانات pecan street وهي تقدم كماً كبيراً من البيانات بشكل مجاني للطلاب والأكاديميين، وبها بيانات عدادات ذكية لكثير من المنازل بمدن متنوعة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبتفاصيل دقيقة عن كل منزل، بالإضافة إلى أن البيانات توضح وجود لوائح ضوئية من عدمها وتفاصيل أخرى لأجهزة مهمة في المنزل.
على سبيل المثال، في الصورة ٥ نستعرض استهلاك منزل واحد من مدينة أوستن بولاية تكساس لمدة سنة كاملة 2018 ولأجهزة محددة (ننوه أننا قمنا هنا ببعض المعالجة الخفيفة، والبيانات في أصلها تحتوي على معلومات أكثر من ذلك). من الصورة نجد أن هناك تفاوتٌ موسمي، فالاستهلاك العام Total وهو الاستهلاك من اللوائح الضوئية + الشبكة تزيد في فصل الصيف وتقل في باقي الفصول، وهي أقل في آخر السنة، وهذا طبيعي ومتوقع بحكم أن أنظمة التكييف تشكّل الجزء الأكبر من الحمل ومدينة أوستن لا تعتبر باردة كثيرًا شتاءً، فلذلك من غير المتوقع استخدام أنظمة تدفئة بكثافة عالية. كما نلحظ أن اللوائح الضوئية كثافة إنتاجها تزيد صيفًا، كما أن أجهزة التكييف تكاد لا تستخدم لمدة ٦ شهور في السنة. نلاحظ أيضًا أن الاستهلاك من الشبكة Grid يكون سالباً أحيانا، وهذا يرمز إلى أن الطاقة الشمسية لهذا المنزل فاقت استهلاكه. ويتكرر هذا السيناريو عندما يكون الجو باردًا، حيث أن استهلاك المنزل قليل لعدم استخدام أنظمة التكييف ولأن مدينة أوستن تعتبر مشمسة، مما أدى لأن يفوق توليد هذا المنزل من الكهرباء على استهلاكه. هذا لا يعني أن هذا السيناريو لا يحدث في الصيف.
لفهم الحمل بشكل أكبر نستعرض أدناه بيانات يوم واحد (صورة ٦)، والذي يظهر فيه بوضوح مدى حدة تأثير اللوائح الضوئية على هذا المنزل، فبدل أن يكون أقصى استهلاك المنزل من الشبكة في فترة الظهيرة، حصل العكس تمامًا! حيث أن طلب هذا المستهلك في فترة الظهيرة أصبح سالباً (المنحنى الأخضر) أي أن المستهلك يقوم ببيع الكهرباء على الشبكة.
من الملاحظات أيضًا أن استهلاك المنزل خلال أيام العمل يكون مختلفاً عن أيام نهاية الأسبوع، وهذا يؤثر على تطوير الخوارزميات المناسبة، فإن كان التطبيق هو عبارة عن توقّع الاستهلاك المنزلي فمن الطبيعي أن يسهم تقسيم البيانات في تحسين النتائج، أما إن كان التطبيق قائماً على توقّع الإنتاج من الطاقة الشمسية، فهذا لن يؤثر. أحد الجوانب المهمة أيضًا هي بيانات الطقس والإشعاع الضوئي في المنطقة كما ذكرنا في مطلع المقال، فهي تسهم في تحسين النتائج المتعلقة بالطاقة الشمسية.
بعد هذه الجولة الخفيفة في بيانات الاستهلاك، نستكمل النقاش أدناه لتوضيح كيفية تفكيك الحمل عن طريق التعلم العميق.
معالجة البيانات
مع توفر البيانات المذكورة أعلاه، كيف يمكننا استخدام تعلم الآلة في تفكيك الحمل؟
من الطبيعي أنه توجد بعض الخطوات اللازمة لكي نستطيع تطبيق خوارزميات التصنيف المعتادة classification، فيجب أن تكون البيانات مقسمة حسب الوقت، وحسب كثافة البيانات المتوفرة، من الممكن تقسيمها أيضاً إلى قراءات شبه لحظية (بالثانية). في هذا التطبيق، اعتمدنا أخذ قراءة واحدة لكل ربع ساعة، وبذلك، يكون اليوم الواحد مقسم ل96 جزءاً، ولكل جزء توجد قراءة للاستهلاك الكلي، وقراءة للتوليد من الطاقة الشمسية، وقراءة لاستهلاك كل جهاز داخل المنزل (فرضاً، 9 أجهزة). الاستهلاك الكلي يعتبر شمولي، ولذلك، نجد فيه بعض الخصائص المهمة التي تسهم في تطوير نتائج تفكيك الحمل، فمثلًا، في كل قراءة (كل ربع ساعة) نقوم بحساب التالي: معدل الاستهلاك mean، والانحراف المعياري standard deviation، والوقت من اليوم، ودرجة الحرارة لتلك اللحظة (باستخدام أحد مصادر البيانات المتداولة)، والحمل الأقصى المتوقع لذلك اليوم، والطاقة المستهلكة، اليوم (السبت، الأحد، … الخ).
أيضًا، من البيانات المستخدمة للتدريب training data، فيهمنا معرفة لكل خانة ما إذا كان هذا الجهاز يعمل ON أو لا يعمل OFF، فحسب خصائص كل جهاز كما هو موضح في جدول ١، يمكننا تكوين مصفوفة رياضية وجعل كل صف فيها يعبر عن الأجهزة المستخدمة. مثلاً، يكون هناك 10 خانات لكل ربع ساعة ونستخدم 1 إذا كان الجهاز نشطاً و 0 إذا كان الجهاز خاملاً.
بعد هذه المعالجة للبيانات، لدينا خصائص features للاستهلاك الكلي ومصفوفات توضح حالة كل جهاز (خامل أو نشط) كل خانة (ربع ساعة)، وبذلك لدينا ما يكفي لتطبيق خوارزميات التعلم تحت الإشراف.
التعلم تحت الإشراف
يمكننا أن نقوم بتوقع لخانات محددة من الوقت ما إن كان جهاز محدد خامل أو نشط، ونرمز لهذا المتغير ب ج وقيمته 1 إذا كان الجهاز نشطاً أو 0 إذا كان خاملاً، وهذا تمرين يسهلُ عمله باستخدام أدوات التصنيف المتوفر في حزمة scikit-learn مثلاً (Bayes, random forest, etc).
الخطوة القادمة هي أن نقوم من قيمة ج بتحديد استهلاك الجهاز، ويمكن ذلك حسب معادلة بسيطة وهي ضرب معدل استهلاك الجهاز للطاقة ب ج، ثم يمكن حسبة نسبة كل جهاز للاستهلاك الكلي للمنزل. وقد وجدت الدراسة المذكورة في هذا التقرير أن أفضل أداة للتصنيف هي random forest (النتيجة مرسومة أدناه، صورة ٧). وبالطبع، فإنّ هذه النتيجة غير قابلة للتعميم فهي محصورة على البيانات المستخدمة في هذه الدراسة فقط. نلاحظ أن النتيجة هذه هي فقط لتحديد نسبة الاستهلاك لكل جهاز، والخطوة القادمة تكون في توقع الاستهلاك نفسه، بالإضافة إلى توقع التوليد من الطاقة الشمسية، لكي يتسنى لنا تحليل النتائج ثم تحديد كيفية تغيير الاستهلاك.
التطبيق الأمثل للذكاء الاصطناعي لا يأتي إلّا بكمٍ كبير من المعلومات عن الاستهلاك، فمن هذه الزاوية، يرى الكثير من خبراء أمن المعلومات أنّ تمكين هذهِ التطبيقات سوف يشكّل خطرا كبيراً على أمن معلومات المستهلكين، ويجعلها فريسةً سهلةً للاختراق. وفي الحقيقة فإنّ معلومات الحمل، خصوصاً إذا كانت لحظية ومفصلة في تحديد نوعية الأجهزة، تُمكّن المخترق من الحصول على كمٍ كبير من المعلومات الحيوية، كتواجد المستهلك بالمنزل من عدمه، وعدد الأفراد في المنزل ونوعية وأوقات ومُدَد الأنشطة التي تُمارَس بالمنزل. وبناءً على هذا يعكف الباحثون على تطوير أنظمة حمايةٍ صارمة ومعقّدة لتشفير البيانات، وهي الضرورة التي لا يُمكن للمستهلك أن يخوض غمار تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلا بتواجدها
وختاماً، فإن التطبيق المذكور للذكاء الاصطناعي ومساهمته في خفض فواتير المستهلكين هو فقط أحد التطبيقات المهمة للمستهلك الأخير للكهرباء، وهناك الكثير من التطبيقات التي تستفيد منها المصانع الكبيرة ذات الفواتير العالية وحتى موزعو الكهرباء وشركات التوليد والأجهزة الرسمية، كلٌ حسبَ هدفه.
يتوجب علينا أن نتذكّر في ختام هذا المقال أنّ قدراتِ الذكاء الاصطناعي الآنف ذكرها تتطلب قدرةً حاسوبيةً عالية ومساحات تخزين ضخمة لكي تقوم بتحليل وفرز المعطيات وإعطاء الأوامر. ومع تقدم الخدمات الحسابية وتغلغل مفهوم إنترنت الأشياء قد يكون من السهل على الشركات تقديم خدماتٍ مستفيضة للمستهلكين لتحليل أحمالهم ومساعدتهم في الاستهلاك الأمثل وبالتالي خفض الفاتورة. وحاولنا في هذا المقال أن نجمع بين الفكرة العامة للتطبيق ومنافعها للمستهلك، والتعمق في التطبيق وتفصيل آلية عمل الأنظمة الذكيّة. مما يجدرُ ذكره أن هذا التطبيق وتغلغل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي فيه هو لايزال فكرةً بحثية تقوم عليها أبحاث عديدة لتحويلها إلى واقعٍ ملموس وفعّال وبسعر معقول في المستقبل القريب.