مقدمة
الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) هو علم يهتم بمحاكاة الذكاء البشري وتوظيفه في الآلات. أفلام الخيال العلمي دائماً ما تقوم بتصوير الذكاء الاصطناعي على أنه رجل آلي (روبوت) بهيئة وسمات وتصرفات مشابهة للإنسان. والحقيقة هي أن الذكاء الاصطناعي يشمل جميع التطبيقات الذكية مثل الطيار الآلي، السيارات ذاتية القيادة، محرك بحث قوقل، الأسلحة ذاتية التوجيه، تطبيقات الأوامر الصوتية، تطبيقات توقع حالة الطقس، توقع ارتفاع أو انخفاض أسهم الشركات في البورصة، الخ…
في هذا العصر يزداد الاعتماد على التطبيقات التي تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي وفي المقابل تتطور خوارميات الذكاء الاصطناعي بشكل مضطرد يوماً بعد يوم. وتكمن أهمية هذا العلم في القدرة على تحليل وتقييم مداخيل متعددة ومعقدة (Multiple Complex Inputs) ومن عدة مصادر (Multiple Sources) في وقت واحد لعرض نتائج أو اتخاذ قرار في وقت قصير جداً وبدقة عالية، مثل استخدام الطيار الآلي لمؤشرات السرعة، الوزن، التوازن، سرعة الرياح، زاوية الرياح، زوايا الأجنحة ودرجة الارتفاع عند محاولة الإقلاع والهبوط. ما يميز هذه الخوارزميات عن البشر هي حياديتها واتساقها ودقتها بحيث يتم عرض نفس النتيجة أو اتخاذ نفس القرار لنفس الظروف والمعطيات دون كللٍ أو ملل لجميع الأنظمة التي تم تحميلها عليها.
في بعض الأحيان يقوم الذكاء الاصطناعي بأدوار لايستطيع الإنسان أدائها أو تكون هناك خطورة عليه عند محاولة أدائها مثل صهر المعادن للمعدات الضخمة، إنقاذ المحتجزين داخل حرائق كبيرة أو غازات كيميائية سامة، أو تفكيك قنابل موقوتة، أو مواجهة مجرمين مسلحين.
يعتبر تعلم الآلة (Machine Learning) أحد الأفرع الأساسية لعلم الذكاء الإصطناعي ويهتم بتصميم خوارزمات تستطيع أن تدرس وتتعلم على البيانات المتاحة من تلقاء نفسها وتقوم بنمذجة المعلومات التي توصلت اليها في نموذج جاهز للتطبيق على بيانات مستقبلية. مثل توقع حالة الطقس ودرجة الحرارة يوم الغد بناءً على المعلومات المتاحة عن حالة الطقس خلال الأسبوع الماضي بعد أن قام البرنامج بدراسة بيانات الطقس لمدة الخمسة أعوام الماضية.
تستطيع خوارزمات تعلم الآلة ليس فقط بناء نماذج توصيف البيانات لوصف البيانات المتاحة، أو نماذج التنبؤ أو التوقع المستقبلي لدعم اتخاذ القرار، بل ويمكنها بناء نماذج دعم اتخاذ قرار متقدمة للوصول إلى الأهداف المرجوة بالشكل الأمثل وتجنب الوصول إلى نتائج لاتحمد عقباها.
وهناك فرع آخر لعلم الذكاء الاصطناعي، والذي لايقل أهمية عن تعلم الآلة، وهو التعلم التعزيزي (Reinforcement Learning) أو التعلم من خلال مبدأ الثواب والعقوبة. وهذا يحاكي طريقة تعليم الآباء للأطفال حيث أن الطفل يتعلم من خلال ردود فعل والديه على تصرفاته، إيجابية كانت أم سلبية، ويحصل في المقابل على مكافأة أو تأنيب، سواءً كان ذلك عينياً أو معنوياً. العديد من الروبوتات تستخدم هذه التقنيات مما يسهل على صانعيها برمجتها بحيث تقوم هذه الروبوتات بتحسين أدائها إستجابةً لبرنامج التقييم المدمج مسبقاً بها.
الذكاء الاصطناعي و البيانات الضخمة
التطور التقني الهائل في تقنيات المعلومات والاتصالات والانفتاح الرقمي الكبير أدى إلى توليد ثورة بيانات تتسم بضخامة أحجامها، وتعددية أشكالها ومصادرها، وسرعة تغيرها مما يجعل من الصعب معالجتها وتحليلها والاستفادة منها إلا من خلال استغلال تقنيات الحوسبة فائقة الآداء (High Performance Computing) وخوارزمات الذكاء الاصطناعي معاً. هذا تسبب في بروز تحديات جديدة تلزم علماء ومطوري الخوارزمات الذكية إلى تغيير تقنياتهم التقليدية بحيث تصبح قابلة للتقسيم والعمل بشكل متوازي على أجزاء مختلفة من البيانات الضخمة (Big Data) بحيث نتمكن من الاستفادة القصوى من هذة البيانات والحصول على النتائج بالدقة والسرعة المتوقعتين من دون إهمال أو سوء معالجة أجزاء من البيانات المتاحة. ولايزال هناك كم هائل من خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة التقليدية التي لم يتم إعادة تصميمها لتواكب البيانات الضخمة مما يشكل أحد التحديات الموجودة حالياً.
الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء
ظهر مصطلح انترنت الأشياء (Internet of Things) خلال العقد الماضي وبدأ يشد انتباه العديد من الباحثين والمهتمين في تقنية المعلومات والاتصالات. ونستطيع تبسيط مفهوم انترنت الأشياء بأنه يهتم بربط الأجهزة الرقمية، الميكانيكية، الكهربية، أو أي عنصر من خلال شبكة الانترنت، أو غيرها، بحيث تستطيع التخاطب مع بعضها البعض من خلال إرسال واستقبال البيانات بشكل تلقائي دون الحاجة للتدخل البشري في هذه العملية بعد عمل الإعدادات المناسبة. وتلك التقنيات تزيد من إثراء البيانات الضخمة حيث أن البيانات يتم توليدها بشكل تلقائي من قبل الأجهزة المتصلة بالإنترنت بخوارزميات وبروتوكولات انترنت الأشياء. وكنتيجة حتمية لايمكن الاستفادة من كل هذا بالشكل المتميز إلا من خلال الدمج مع خوارزمات الذكاء الاصطناعي.
الطرق الذكية (Smart Roads) هي مثال جيد على ذلك، فبالإمكان وضع كاميرات وحساسات مراقبة على الطرق وربطها مع بعضها البعض على الشبكة بحيث تقوم بمراقبة الطرق ذاتياً وتقوم بعرض تحذيرات لمرتادي الطرق في حال وجود ازدحام أو حوادث مرورية. بل وبإمكانها الاتصال على أرقام الطواريء وتقديم بلاغ وتصوير وتحديد موقع الحادث بدقة وسرعة هائلة. علاوة على ذلك، فبإمكان خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة تحويل الطرق والتحكم بالإشارات بحيث يتم تفادي الاختناق المروري الذي تسبب به الحادث. ويتم إعادة ضبط الإشارات وإلغاء التحويلات فور ما يتم حل المشكلة. وكل ذلك يحدث تلقائياً دون تدخل العنصر البشري. قد يبدو ذلك خيالياً من أول وهلة لكن ذلك قابل للتطبيق عملياً وليس بالمسألة الصعبة. ومن المفيد الإشارة إلى أنه يمكن التقصي عن الازدحام بدون وضع كاميرات أو حساسات، بل من خلال تطبيقات الهاتف المحمول المفعل بها خدمة تحديد المواقع الجغرافية أو من خلال أبراج شركات الاتصالات.
تطبيقات الذكاء الاصطناعي
هناك العديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي نستخدمها في حياتنا اليومية دون ما نشعر، أهمها الطيار الآلي حينما نركب الطائرة، تطبيقات الترجمة الآلية حين نواجه مصطلح جديد، تطبيقات تقدير حالة الطقس عند الرغبة في الخروج في نزهة خارج المنزل، محركات البحث المختلفة عند البحث عن مواضيع تهمنا، أو حتى عند التسوق من خلال متجر أمازون على الانترنت فهو كذلك يقوم بعرض اقتراحات حسب اهتماماتك باستخدام خوارزميات تعلم الآلة بحيث يقوم بعمل بروفايل (Profile) لك بعد أن يدرس اهتماماتك ويقارنها مع اهتمامات الزبائن الآخرين الذين كانو قد اشتروا بضائع أو كتب قد تهمك.
من أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي هي تلك التي تخدم المجالات الطبية، أهمها الطب الشخصي (Personalised Medicine) والذي يهتم بتقديم رعاية طبية مناسبة لكل شخص مريض بحد ذاته عن طريق دراسة حالة المريض، جيناته وحمضه النووي، و السجل التاريخي للأمراض الوراثية في العائله، وبناءً على ذلك يتم اقتراح العلاج المناسب له دونما سواه. وتعتبر الهندسة الوراثية أحد أبرز الأبحاث التطبيقية الدارجة بحيث يتم تعديل الجينات قبل تلقيح الحيوانات المنوية في البويضة كي يتم تفادي الأمراض الوراثية وتحسين النسل.
في أحد الأبحاث يقوم الباحثون بتصميم أجهزة ذكية تقوم بمراقبة وتحليل إشارات دماغ مريض الصرع باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، تعلم الآلة، وتحليل الإشارة بحيث يمكن تنبيه المريض باحتمال تعرضه لنوبة صرع في الدقائق القليلة المقبلة مما يتيح له المجال بأخذ الحيطة والحذر كتناول دواء معين، أخذ إبرة تقلص من شدة النوبة قبل وقوعها، الابتعاد عن الأماكن الغير ملائمة في حال وقوع النوبة، أو طلب المساعدة. وقد تحميه من التعرض لحادث خطير أو الوفاة بحول الله تعالى. وتجدر الإشارة أن ١٪ من سكان العالم يعانون من أمراض الصرع بدرجات متفاوته.
ومن التطبيقات في هذا المجال هي تطبيقات التصوير الطبي الذكية (Smart Medical Imaging)، فيمكن تدريب برمجيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي على تمييز الأمراض أو المشكلات في الصور الإشعاعية أو الصوتية الطبية بحيث تقوم هذه البرمجيات بفحص وتحديد مكان ونوع المشكلة وكتابة تقرير عن ذلك تلقائياً. وكمثال على ذلك، يعمل الباحثون على تصميم برمجيات تساعد على الكشف المبكر عن سرطان الثدي باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، تعلم الالة والرؤية بالحاسب (Computer Vision) للفحص والتشخيص التلقائي لصور الماموجرام (Mammogram Images) المأخوذة للثدي. وأهمية هذا البحث تكمن في ارتفاع حالات سرطان الثدي المكتشفة في السعودية لتبلغ ٢٤٪ من حالات السرطان مما يستدعي تسليط الضوء عليها ومحاولة تقليصها حيث أن نسبة الشفاء تزداد كلما تم اكتشاف وعلاج المرض مبكراً.
بعيداً عن التطبيقات الطبية الذكية، فقد برزت في الآونة الأخيرة تطبيقات الواقع المعزز (Augmented Reality) والتي تتيح للمستخدم عرض معلومات فورية على العناصر التي يقوم برؤيتها المستخدم من خلال كاميرا الهاتف الذكي أو النظارة الذكية بحيث تـُشعر المستخدم بأنه ينظر إلى العالم الواقعي من خلال عدسة روبوت متطور تعرض له معلومات دقيقة عن العناصر التي يسلط عدسته عليها. وهذه التقنيات تستخدم أيضاً بروتوكولات انترنت الأشياء وخوارزميات الرؤية بالحاسب.
واقع الذكاء الاصطناعي
بالرغم من ازدياد الوعي بأهمية علم الذكاء الاصطناعي وقدراته وتطبيقاته، لاتزال استخدامات الذكاء الاصطناعي دون المأمول وخصوصاً في عالمنا العربي وهذا يرجع لعدة عوامل أهمها: قلة المتخصصين في المجال، عدم الثقة بإمكانات البرمجيات الذكية، عدم جاهزية البنية التحتية، ضعف تنسيق البيانات وقوعدتها، صعوبة الوصول إلى البيانات إن وجدت، ضعف سياسات حماية البيانات ومشاركتها، ومقاومة التغيير من قبل الجيل القديم المسيطر.
نظرة مستقبلية
لاشك أن الزيادة المضطردة في تطور تقنيات المعلومات والاتصالات واستخدام الأجهزة الذكية وانترنت الأشياء يوفر كم هائل من البيانات مما يجعل الحاجة الماسة لتقنيات الذكاء الاصطناعي في عالمنا أمر لا مفر منه لتحقيق التقدم والرفاهية التقنية. ويتطلب ذلك إعداد العدة له من خلال دراسة الاحتياجات، التخطيط ورسم الاستراتيجيات، تطوير وإعداد مناهج الجامعات، والبرامج التدريبية، والبرامج التثقيفية المناسبة بحيث نتمكن من الاستفادة بالشكل الأمثل من تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها العلمية والعملية. وذلك يمكننا من خدمة الوطن ومنافسة الدول المتقدمة في التطور الرقمي المتسارع بمشيئة الله تعالى.
شكراً د. طارق على المقال الشيق، زادك الله علماً.
ازدادت في الآونة الأخيرة التطبيقات لتعلم الآلة، حتى صار مجال شبه مستقل، مع أنه لا يزال تحت الذكاء الاصطناعي، وقد لاحظت أن هناك من يعتقد أنه هو الذكاء الاصطناعي. أحببت أن أوضح أن هناك الكثير من الفروع للذكاء الاصطناعي غير تعلم الآلة وبعض ما ذكرت كالتعلم التعزيزي والواقع المعزز، قد لا يكفي مقال واحد للمرور عليها، من بعضها: التخطيط (Planning)، المنطق وحل المشكلات (Reasoning and Problem Solving)، الإدراك (Cognition)، البحث (Searching)، وغيرها.
شكرا لكم جميعا،
أعتقد أنه من المهم تخصيص مقال يوضح طبيعة التخصصات والمجالات الخاصة بالذكاء الإصطناعي وعلاقته مع المجالات الأخرى كتعليم الالة وتنقيب البيانات وغيره.
تحياتي العطرة
اهلا وسهلا م. ابراهيم. الحقيقة هذا مقترح جيد وقد يوضح الصورة أكثر ويزيل اللبس عن البعض. سوف نحاول تلبية هذا المقترح في أحد المقالات القادمة. شكرا جزيلا.
تحياتي،
طارق