بدأت علوم الذكاء الإصطناعي في الخمسينات من القرن الماضي، لكن التطبيقات الحقيقية و المجزية اقتصادياً لم تظهر إلا في التسعينات بعد انتشار الإنترنت ووفرة البيانات. يمكن تجزئة هذه المراحل إلى أربعة مراحل:
1- مرحلة الانترنت (internet wave)
بدأت هذه المرحلة مع بداية الإنترنت في التسعينات، وتعتمد بشكل أساسي على أنظمة التوصية (recommender system) والتي تستطيع من خلال بيانات تصفح المستخدم تقديم مقترحات مشابهة أو متوقعة للمتصفح. مثل موقع أمازون الذي يعرض منتجات مشابهة لتاريخ مشتريات المستخدم مما يزيد من احتمالية الشراء. مثال آخر هو عرض دعاية قريبة لرغبات المتصفح لزيادة نسبة النقر على الروابط (Click Through Rate). وتعد هذه الطريقة (الدعاية الموجهة) مصدر الدخل الأساسي لشركة قوقل من خلال استخدام معلومات البحث لدى المستخدم.
مع بداية الإنترنت بدأت تطبيقات بسيطة للذكاء الإصطناعي وتعلم الآلة. أحد أشهر هذه التطبيقات موقع أمازون الذي استخدم (ولا يزال) أنظمة التوصية لزيادة نسبة الشراء على الموقع
2- مرحلة قطاع الأعمال (business wave)
في الألفية الجديدة في أمريكا و مع بداية توفر بيانات كبيرة عن الأسهم و التاريخ المديوني لعملاء البنوك (credit history)، بدأت مرحلة جديدة من تطبيقات الذكاء الإصطناعي. هذه المرحلة كان لها مردود مالي كبير. فباستخدام قواعد بيانات وجداول (مثل الموجودة في برنامجي Excel, Access). و خوارزميات مثل التصنيف والانحدار (classification and regression)، اتسمت هذه المرحلة بتنبؤ أسعار الأسهم و ظهرت ظاهرة شراء الأسهم عبر الخوارزميات (algorithmic trading). مثال آخر لتوفير كميات أموال كبيرة هي شركات التأمين والبنوك التي استخدمت التاريخ المديوني والتأميني للعملاء لتوقعها تكلفة بوليصات التأمين و سعر الدّين لكل شخص.
3- مرحلة الإدراك (Perception wave)
بدأت هذه الموجة في عام ٢٠١٢ بعد أن قام مجموعة باحثين باستخدام شبكة عصبية ترشيحية (CNN) تعرف بشبكة أليكس (Alex Net)، حيث حققت نجاحاً فاق كل الخوارزميات الأخرى في التعرف على الصور. تشمل هذه المرحلة النجاح في التعرف على الصور والفيديوهات (computer vision) والتعرف على اللغة (NLP) والتعرف على الصوت (Speech recognition). نحن نعيش هذه المرحلة السباق حامي بين الشركات الصينية و الأمريكية على جذب المواهب و على تدريب أفضل الخوارزميات وتطبيقها على أرض الواقع. الصين تتفوق نسبياً لكثرة البيانات والتطبيقات المختلفة. من الأمثلة على تطبيقات هذه المرحلة برنامج سيري في الآيفون و سماعة أليكسا الذكية من أمازون في التعرف على الصوت، تقنيات التعرف على الوجه من شركات علي بابا و ايفلايتيك (IflyTek) في الصين حيث تستخدم لأغراض أمنية وتجارية، و متجر أمازون جو (بدون محاسبين) الذي يتعرف على هوية المشتري والسلعة المأخوذة لإضافتها للحساب مباشرة باستخدام الكاميرات.
برنامج “سيري” الموجود على الآيفون يستخدم تقنيات حديثة للتعرف على الصوت وتحليل اللغة
4- مرحلة القيادة الذاتية (autonomous wave)
لم نصل بعد لهذه المرحلة، لكنها تتميز بتقنيات الأتمتة الكاملة على نطاق المنتجات الصناعية والمنتجات الإستهلاكية، مثل المركبات ذاتية القيادة، آلات المصانع ذاتية العمل، الطائرات ذاتية الطيران والتوصيل. هذه الموجة ستكون الأكثر تأثيراً على حياة البشر وذات العوائد المالية الأضخم، لذلك السباق حامي الوطيس في هذا المجال على نطاق الأبحاث والشركات العملاقة. تشير التوقعات أننا لا نزال على بعد ١٠ سنين على الأقل عن هذه المرحلة، و إمكانية الدخول في هذا المجال متاحة للاعبين جدد (كما فعلت تسلا مثلاً في السنوات الأخيرة و أصبحت لاعب أساسي في المجال مقارنة بشركة قوقل التي تجري أبحاث منذ حوالي عشرين عام). تكمن الصعوبة التقنية في القيادة الذاتية في أن تكلفة الخطأ كبيرة وأن المتغيرات كثيرة في وسط المدن، مما يجعل تدريب خوارزميات الذكاء الإصطناعي على القيادة الذاتية وسط المدينة صعب ومكلف و يواجه مشكلة الفشل غير المتوقع.
في عام 2018 فشل نظام القيادة الذاتية في سيارة تسلا وتسبب في حادث مميت. نظراً لخطورة المهمة والتتبع الإعلامي الكبير لمثل هذه الحوادث، فمن المتوقع تأخر وصول تقنية القيادة الذاتية على الأقل لـ 10 سنوات
لمعرفة ما هو الذكاء الإصطناعي يمكن مراجعة المدونة و لمزيد من المعلومات , راجع كتاب KI-FU-LEE عن الذكاء الإصطناعي.